من عجائب أهل البدع أنهم يتركون كلام الله، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلام السلف الصالح من الصحابة والتابعين في مسألتين عظيمتين من مسائل العقيدة، وهي مسألة القرآن وصفة الكلام، ومسألة الاستواء والعلو، وأخذوا فيهما ببيتين نسبا إلى شاعر نصراني، سكِّير عربيد، لا يؤخذ بقوله في دين، وإن قيل: إنه يحتج به في اللغة.
البيت الأول: هو ما يكررونه ويذكرونه في معنى كلام الله عز وجل، وهو قول الأخطل :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما            جعل اللسان على الفؤاد دليلاً
قالوا: الكلام له معنيان: لفظي ونفسي، وكلام الله نفسي، أما ما في المصاحف فمخلوق، فتركوا كل ما صح وما قيل وأثر حتى في القرآن نفسه مما جاء صريحاً، بأن هذا القرآن كلام الله عز وجل، وأخذوا بقول هذا الشاعر النصراني الأخطل، إن صح أنه قاله؛ فقد روي عنه في البيت هكذا:
إن البيان لفي الفؤاد وإنما            جعل اللسان على الفؤاد دليلاً
وليس: إن الكلام.
والبيت الثاني: هو ما يذكرونه في معنى الاستواء:
قد استوى بشر على العراق            من غير سيف أو دم مهراق
قالوا: (استوى) هنا بمعنى (استولى)، ثم زعموا أنه هو المعنى المراد في قوله تعالى: ((ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ))[الأعراف:54] تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
قال ابن القيم رحمه الله رداً على البيت الشعري السابق: "الوجه الثاني: أن الذين قالوا ذلك لم يقولوه نقلاً، فإنه مجاهرة بالكذب، وإنما قالوه استنباطاً منهم وحملاً للفظة (استوى) على (استولى)، واستدلوا بقول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق            من غير سيف أو دم مهراق
وهذا البيت ليس من شعر العرب أصلاً كما سيأتي بيانه" وقد أجـاد وأفاد رحمه الله في الوجه السادس عشر.